روائع مختارة | روضة الدعاة | الدعاة.. أئمة وأعلام | ولكُنَّ في أسماء.. عبرة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > الدعاة.. أئمة وأعلام > ولكُنَّ في أسماء.. عبرة


  ولكُنَّ في أسماء.. عبرة
     عدد مرات المشاهدة: 2714        عدد مرات الإرسال: 0

وجود القدوة أمر ضروري يعين الناس على العمل والتشبه بهم، وهو أيضا لإقامة الحجة على الناس، ولذا أمر الله نبيه- وهو قدوة القدوات- أن يتخذ له من النبيين قبله قدوة فقال: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}، وقال لأمته: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه}، ولابد أن يكون المتخَذ قدوة من جنس من يقتدون به حتى لا يكون لهم على الله حجة؛ ولذلك لما طلب المشركون أن يرسل الله لهم ملكا رسولا بدلا من البشر رد عليهم سبحانه بقوله: {قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا}.

وقد جعل الله في هذه الأمة وسابقاتها قدوات كثيرين من الرجال وكان النساء في هذا الجانب أندر وأعز، ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». ولكن الله لم يحرم نساء هذه الأمة من نماذج تقتدي بهن المؤمنات وهن والحمد لله كثيرات كأمهات المؤمنين، وصحابيات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيرهن من التابعيات الجليلات.. ونحن هنا نقدم للمؤمنين والمؤمنات واحدة من هؤلاء الفضليات:

إنها أسماء بنت أبي بكر الصديق.. أم عبد الله القرشية التيمية المكية ثم المدنية والدة الخليفة عبد الله بن الزبير وأخت أم المؤمنين عائشة وآخر المهاجرات وفاة، روت عدة أحاديث وعمرت دهرًا وتعرف بذات النطاقين.. الصادقة الذاكرة، الصابرة الشاكرة، أسماء البطولة، أسماء الصدق، أسماء الطهر أسماء الجود أسماء الكرم أسماء الشجاعة أسماء الفداء... وغيرها من المعاني التي تجدها في ترجمتها، وكيف لا تكون كذلك وهي سليلة بيت الخير، ومجاورة بيت النبوة، وأخت عائشة الصديقة الكبرى، والتي كانت تكبرها أسماء بعشر سنين؟!

أسماء العبادة والجود:

يقول ابن الزبير رضي الله عنهما: ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء، وجُودهما مختلف: أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء فكانت لا تدخر شيئا إلى غد.

وعن فاطمة بنت المنذر: أن أسماء كانت تمرض المرضة فتعتق كل مملوك لها.

ويقول ابن أبي مليكة عنها: كانت أسماء تصدع فتضع يدها على رأسها وتقول: بذنبي وما يغفره الله أكثر.

يقول ابنها عروة: دخلت على أسماء وهي تصلي فسمعتها وهي تقرأ هذه الآية: {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم} فاستعاذت فقمت وهي تستعيذ، فلما طال عليّ أتيت السوق ثم رجعت وهي في بكائها تستعيذ.

أسماء الكرامة والإباء:

إنها الكريمة الأبية واضعة قاعدة الكرامة حين قالت لابنها عبد الله بن الزبير، وقد أحاطت به جنود الحجاج: يا بني عش كريما ومت كريما، لا يأخذك القوم أسيرًا.

ولما قتل الحجاج ابنها عبد الله دخل عليها فقال: يا أمه.. إن أمير المؤمنين قد وصاني بك فهل لك من حاجة؟

قالت: لست لك بأم ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، ومالي حاجة.. ولكن أحدثك.. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج من ثقيف كذاب ومبير: فأما الكذاب فقد رأيناه- تعني المختار الثقفي- وأما المبير فأنت.

وقال القاسم بن محمد: جاءت أسماء بنت أبي بكر مع جوار لها، وقد ذهب بصرها، فقالت: أين الحجاج؟ قلنا ليس ههنا، قالت: فمروه فليأمر لنا بهذا العظام فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن المثلة.. قلنا إذا جاء قلنا له.. قالت إذا جاء فاخبروه أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن في ثقيف كذابا ومبيرًا.

أسماء والهجرة:

وإذا ذكرت الهجرة فحيهلا بأسماء.. كانت وقتها ما زالت فتاة صغيرة يافعة، ولكنها حملت أمانة أشفق من حملها الرجال، عندما دخل النبي وصاحبه إلى الغار كانت تقطع ثلاثة أميال في جوف الليل ووحشة الطريق بين أسنة الصخر ومساحات الرمال الشاسعة حتى تصل إلى الجبل فتصعد إلى قمته منحدرة إلى الغار لتقوم بمهمة الفدائي وحمل أمانة الإمداد والتموين للرحلة المباركة فبارك الله فيها وعليها:

روى البخاري وأحمد عنها قالت: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إلى المدينة صنعت سفرته في بيت أبي بكر، فقال أبو بكر: ابغيني معلاقا لسفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصاما لقربته فقلت ما أجد إلا نطاقي!! قال: فهاتيه.. قالت: فقطعته باثنين فجعل إحداهما للسفرة والأخرى للقربة؛ فلذلك سميت ذات النطاقين.

وانطلق النبي وصاحبه مهاجرين وجاء المشركون للبحث والتنقيب ومعرفة الطريق ولكن أنى لمثل أسماء أن تخبرهم وتفشي خبر النبي صلى الله عليه وسلم!! تقول: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي. قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشا خبيثا، فلطم خدي لطمة خر منها قرطي، قالت ثم انصرفوا.

وبعد درس الصبر هذا وحفظ الدعوة وأهلها يأتي درس آخر أجمل حيث تقول: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم فانطلق بها معه، فدخل علينا جدي أبو قحافة- وقد ذهب بصره- فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه؟! قلت: كلا يا أبت!! إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرا.. فأخذت أحجارًا فوضعتها في كوة في البيت- كان أبي يضع فيها ماله- ثم وضعت عليها ثوبا ثم أخذت بيده فقلت: ضع يدك يا أبت على هذا المال، فوضع يده فقال: لا بأس.. إن كان ترك لكم هذا فقد أحسن، ففي هذا لكم بلاغ.. قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك.

رسالة إلى كل زوجة:

وفي زمان تتفنن فيه الزوجات للتهرب من أداء واجبهن نحو الأزواج تأتي الرسالة إليهن من أسماء ليعرفن ماذا ينبغي أن تفعل الزوجات.. تحكي أسماء عن نفسها فتقول: تزوجني الزبير، وكان له فرسه فكنت أسوسه وأعلفه وأدق لناضحه النوى وأستقي وأعجن، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي- وهي على ثلثي فرسخ- فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر، فدعاني فقال: إخ إخ ليحملني خلفه فاستحييت وذكرت الزبير وغيرته. قالت فمضى، فلما أتيت أخبرت الزبير فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه. قالت: حتى أرسل إليّ أبو بكر بعد ذلك بخادم فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقني.

وللأمهات أيضا:

لقد كان موقف أسماء مع ابنها عبد الله بن الزبير شامة في جبينها ورسالة أرسلت بها إلى كل أم مسلمة درسا في كيفية التربية والحث للأبناء على الرفعة ورباطة الجأش وذلك خلال حرب الحجاج له، فما زالت تقف بجانبه تشد أزره وتقوي قلبه وتقول له وقد أحاطت به جنود الحجاج: يا بني عش كريما ومت كريما، لا يأخذك القوم أسيرًا.

قال عروة دخلت أنا وأخي قبل أن يقتل على أمنا بعشر ليال وهي وجعة، فقال عبد الله: كيف تجدينك؟ قالت وجعة. قال: إن في الموت لعافية. قالت: لعلك تشتهي موتي فلا تفعل. وضحكت وقالت: والله ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك: إما أن تقتل فأحتسبك، وإما أن تظفر فتقر عيني.. إياك أن تعرض على خطة فلا توافق فتقبلها كراهية الموت. وكان عمرها عند ذلك مائة سنة.

وقتل الحجاج عبد الله بن الزبير وصلبه، فجاءت أمه عجوز طويلة عمياء فقالت للحجاج: أما آن للراكب أن ينزل؟! فقال المنافق؟ قالت: والله ما كان منافقا، كان صواما قواما برا. قال: انصرفي يا عجوز فقد خرفت. قالت: لا والله ما خرفت منذ سمعت رسول الله يقول في ثقيف كذاب ومبير.

وجاء ابن عمر ليعزيها عندما قيل له: إن أسماء في ناحية المسجد، فمال إليها فقال: إن هذه الجثث ليست بشيء وإنما الأرواح عند الله فاتقي الله واصبري. فقالت: وما يمنعني وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.

قال ابن أبي مليكة: دخلت علي أسماء بعد قتل ابنها عبد الله بن الزبير فقالت: بلغني أنهم صلبوا عبد الله منكسا، اللهم لا تمتني حتى أوتى به، فلم يلبث أن أتيت به فغسلته بيدها وطيبته ثم حنطته ثم دفنته وصلت عليه. بعد ما ذهب بصرها. قال أيوب فحسبته قال فعاشت بعد ذلك ثلاثة أيام.

قال ابن سعد ماتت بعد ابنها بليال وكان قتله لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين.

قال الإمام الذهبي في السير: قلت كانت خاتمة المهاجرين والمهاجرات.

فرضي الله عن أسماء ورضي عنهم جميعا من آل بيت.

المصدر: موقع الشبكة الإسلامية.